- أبو لقمان
- عدد المساهمات : 56
تاريخ التسجيل : 17/11/2015
الخالصة ( ذكرى الدار الآخرة )
الأربعاء يوليو 27, 2016 4:52 pm
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد: إخواني في الله تعالى اتقوا الله حق التقوى، اتقوا الله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله - عز وجل - وأحسن الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وأن كل بدعة ضلالة.
أيها الموحدون، أيها المتبرئون من الشرك وأهله المتبعون ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين: سلوا ربكم الخالصة سلوا الله وأنتم في أوقات الدعاء وأوقات الإجابة في هذا الشهر العظيم الذي قال الله في آياته: ?وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ? [البقرة/186].
سلوا ربكم أن يهبكم الخالصة، أتدرون ما الخالصة عباد الله:؟ إنها الخصلة التي أخلصها ووهبها لأحب خلقه إليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، قال الله: ?إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ? [ص/46] ذكرى الآخرة أن تكون الآخرة قد سيطرت على القلب وهي بين العينين دائما، فإن الله إذا رزقك هذه الخالصة فقد رزقك الخير كله.
يا عبد الله، يا أيها الموحد، يا أخي في الله: إذا رزقك الله هذه الخالصة تغير فيك كل شيء، همك وإرادتك ونيتك وفرحك وغضبك وعطاؤك ومنعك، لا تهتم إلا بمتاع الآخرة، أما الدنيا لا تأسى على ما فاتك ولا تفرح بما أتاك لأنك فيها غريب لأن الله أخلصك بهذه الخالصة، أنت تعيش بين أبناء الدنيا ولكنك بقلبك وروحك وتفكيرك وهمك وإرادتك من أبناء الآخرة نعمة الخالصة، نعمة والله هذه الخالصة.
يا عبد الله يا أيها الموحد: إذا أخلصك الله بهذه الخالصة أتاك الخير كله، تنعمت بالعبادة وخشعت لله، قال الله: واستعينوا بالصبر ومن الصبر الصيام، ?وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ? أي يوقنون ?وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ? [البقرة/46]، إذا هم أهل هذه الخالصة يوقنون بلقاء الله، فالآخرة بين أعينهم لذلك خشعوا ولذلك تنعموا بالصبر والصلاة.
يا عبد الله، يا أيها الموحد: إذا أخلصك الله بهذه الخالصة فتح لك في القرآن ورفع عنك الحجب وتنعمت بتلاوة كتاب الله وتفهمت وعملت قال الله: ?وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا? [الإسراء/76]،
والإيمان بالآخرة درجات، وكثف الحجاب على حسب درجة الإيمان بالآخرة، فأكثف حجاب حجاب الكفار لأنهم لا يؤمنون بالآخرة البتة، ثم كلما ضعف إيمانك بالآخرة وذكرى الدار كان لك نصيب من هذا الحجاب المستور بينك وبين هذا الكتاب المسطور ومعانيه وكنوزه ودقائقه وما فيه من الذكر الحكيم.
يا عبد الله، يا أخي الموحد: إذا أخلصك الله بهذه الخالصة كنت من أهل العزم في الحق وأهل الفهم والبصيرة، قال الله ?وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)? أي العزائم والبصائر، ثم قال ?إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ? [ص/46] و?إنا? كثيرا ما تأتي في القرآن للتعليل أي لأن وهذا معنى محتمل الآية أي كانوا من أهل الأيدي والأبصار لأنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وهذا أمر مشاهد، فإن العبد إذا أراد الآخرة هانت عليه الدنيا فصح عزمه وصح فهمه لأن الفهم والعزم إنما يضعف بسبب خوفك من فوات حظك من الدنيا، فإذا أردت الآخرة صح ذلك منك.
يا عبد الله، يا أخي الموحد: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سلوا الله العافية فما أعطي أحدا بعد اليقين خير له من العافية، واليقين من أعظم صوره اليقين بالآخرة حتى كأنك تراها رأي العين، فهي تسكن في قلبك تسيطر على تفكيرك دائما تستشعر الآخرة، دائما تستشعر ما ينتظرك من المواقف التي وصفها الله في القرآن فأفاض في ذكرها في كل مواقف الآخرة من ساعات الاحتضار إلى دار القرار وما بينهما من الأمور العظام كلها مفصلة في القرآن حتى تشعرها قلبك حتى تكبرها كثيرا وتستحضرها كثيرا وتصور نفسك في تلك المواقف، قال الله عن آيات الاحتضار ?فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)? أشعر قلبك هذه اللحظات قد تكون هذا اليوم قد تكون بعد الصلاة أو قبل الصلاة أو قبل الليل أو بعد الليل، قد تكون بعد سنوات، فكان ماذا؟ أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون، قال الله ?فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ، ولكن لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)، فأما إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)? هذا في ساعة الاحتضار روح، الناس يبكون وهو في روح وريحان وجنة نعيم، ?وأما إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)، وأما إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)?
فأين عباد الله: المصدقين؟ أين هم؟ ?إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ? [ص/96]،
وقال الله: ?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ، ثم اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ? في ساعات الاحتضار، هم في شأن والناس في شأن لأنهم في الدنيا كانوا في شأن والناس في شأن ?تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا? ما أحوجهم لهذه الكلمات في تلك اللحظات ?أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ? ([فصلت/30].
يا أخي الموحد: قال الله لموسى كليمه إن الساعة آتية، وإذا سمعت ذكر الساعة لا تفكر في الساعة الكبرى قد تدركها وقد لا تدركها فكر في ساعتك أنت التي تأتيك في أي لحظة ثم، كما قال الله: ?كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)? لا ينفع الأطباء ?وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) أيقن وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ? [القيامة/29]،
قال الله لموسى: ?إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا? حتى ساعتك أنت يخفيها الله عنك ?أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى? [طه/16].
يا عبد الله، يا أخي الموحد: إن الإيمان بالآخرة لا بد منه حتى تكون مسلما مؤمن، ولكن الحد الأدنى هذا المشترك بين المؤمنين لا نتكلم عنه الآن، نتكلم عن ذكرى الدار المسيطر على القلوب قال الله يعتب على عباده المؤمنين ويحذرهم ?أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)? هذا أول الطريق زيارة المقابر وبعده أمور عظام عظام حتى يدخل أهل الجنة الجنة والنار النار ?كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)? أتظنون أنه تكاثر فحسب؟ ?كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)? يقول الله سوف تعلمون، ?ثم كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)? هذا الذي نريده لو علمت علم اليقين لكأنك ترى الجحيم الآن وأنت في الدنيا ولذلك قال بعدها، ?ثم لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ? [التكاثر/7]، في الآخرة تراها بعيني رأسك.
أما في الدنيا فإن عبد الله لو كان يعلم علم اليقين وأخلصه الله بالخالصة لكأنه يرى الجحيم كأنه يراها دائما، يسمع حسيسها في الرؤوس يشم رائحة الأجساد المحترقة، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب: ثم لا يأمن، مشفق والإشفاق خوف مع احترام، تكاد تقطع قلوبهم قال الله عن أهل الجنة ?وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ? [الطور/28]، وقال الله ?وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ? [المعارج/28[،من يأمن عذاب الله؟ جهنم أقرب إليك من شراك نعلك، من شراك نعلك إن كنت تعلم، دخلت النار امرأة في هرة حبستها فكيف بعظائم من اللسان وكبائر القلب والجوارح؟
يا عبد الله، يا أخي الموحد: إذا أخلصك الله بهذه الخالصة تغير فيك كل شيء، تغير فيك كل شيء، فأنت في شأن والناس في شأن تفرح بما يقربك للآخرة، وأما الدنيا لا تنافس في عزها ولا تجزع من ذلها، فسلوا ربكم هذه الخالصة، سلوه من قلوبكم هذه الخالصة فإنها إذا كانت في قلوبكم أفلحتم أفلحتم وكنتم كمن يسكن في دار خربة بين سباع وقد شيد له قصرا مشيدا فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين فهو كل يوم ينتظر أن ينتقل من الخراب إلى العمران، هكذا حال المؤمن في الدنيا، إذا شيد له في الآخرة شيئا، والدنيا لا يأسف عليها إنما هي مزرعة للآخرة.
وأما من عكس الأمر فهو كمن سكن في قصر ويخاف الانتقال إلى الخراب، اللهم إله الحق، اللهم إله الحق، اللهم إلهنا وربنا في هذا الجمع المبارك والساعة المباركة واليوم المبارك والشهر المبارك نسألك ونحن نحسن الظن بك أن تجيب دعاءنا، اللهم أخلصنا بخالصة ذكرى الدار.
اللهم ارزقنا هذه الخالصة يا رب العالمين، اللهم أخلصنا بخالصة ذكرى الدار، واجعلنا من المصطفين الأخيار واجعلنا من أولي الأيدي والأبصار، اللهم لا تجعلنا ممن قلت فيهم ?إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ? [يونس/8]، اللهم اجعلنا ممن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، اللهم ارزقنا اليقين، اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم لوثتنا الذنوب لوثت القلوب والبصائر والعزائم والعلوم والأعمال والهمم وكل شيء، اللهم باعد بيننا وبينها، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنا منها، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلنا منها بالماء والثلج والبرد، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
________________________________________
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.
إخواني في الله، معاشر الموحدين: الليلة القابلة بإذن الله تدخل العشر الأواخر وإني أوصيكم بالاعتكاف فإنه من متاع الآخرة، أوصيكم بالاعتكاف اعتكاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فإنه والله من متاع الآخرة والله إنه يذكركم الآخرة وإنه يخرجكم من الدنيا وهمها وغمها ويبصركم ويذكركم بما ينتظركم إنه تخفف من فضول الدنيا وتفرغ وخلوة بالله ومراضيه فلا يفوتنكم ذلك، ولا يثقلنه عليكم الشيطان.
عباد الله: تقربوا إلى الله فأنتم في مهلة، عباد الله: إن الدنيا قد أدبرت والآخرة قد أقبلت ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا تفلحوا بإذن الله.
عباد الله: تقربوا إلى ربكم وتحببوا إليه فإنه رحيم ودود واستعتبوه واستغفروه فإنه غفور رحيم جل ربنا وتعالى وتقدس، واستفيدوا من هذه النفحات في هذه الليالي فإنه تحروا فيها ليلة خص الله بها هذه الأمة هي خير من ألف شهر من وفق لها فهو السعيد وأكثروا من قول، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى